Sunday 18 December 2016

حلول المصادر المفتوحة المتاحة للتصميم البارمتري

 

Muaz Alnajjar

MuazOnline@gmail.com

http://ift.tt/2hIA3G2

تعريف بالتصميم البارمتري:

 

 

 

يعتبر التصميم البارمتري من أحدث الصيحات التي تتردد في علوم التصميم المعماري على وجه الخصوص والهندسي على العموم حيث أضحت التقنيات الحديثة ذات صوت عال بدأ يقتحم مجال العمارة من واسع أبوابه وأكثرها غموضاً وخصوصية بنفس الوقت “التصميم”.

لقد قمت بالبحث عن مرادف لكلمة البارمتري باللغة العربية والمأخوذة عن لفظ Parametric باللغة الإنكليزية دون تعديل أو ترجمة وإنما مجرد نقل لفظي (ركيك وهزيل) للكلمة الأصل، ولكن للأسف لم أجد مرادفاً يدلي بدلالة مباشرة للكلمة ويعطي القارئ والسامع لفظاً يغطي المعنى. وجلُّ ما وجدت ثلةٌ من شروحات تفضي بالمجمل إلى معنى هو أقرب للمطلوب دلالته من كلمة Parametric.

يتزامن استخدام المصطلح (التصميم البارمتري) مع انتشار غير مسبوق للتقنيات المتقدمة المرتبطة بالتمثيل الرقمي للمشاريع الهندسية المعقدة. ومع ذلك فإن هذا المصطلح غير واضح المعالم. فإذا اطلعنا على البرمجيات التي تقوم بتمثيل تلك المشاريع فإننا نجد أن هذه البرمجيات تفتقر إلى تعريف المصطلح بينما تسهب في ذكر طرائق النمذجة والعمليات التي تقوم عليها هذه البرمجيات مما يزيد في ابهام المصطلح كما يخلق بنفس الوقت ابعاداً جديدة قد تحمل الخطأ والصواب لتعريفه بشكل واضح.

يتبنى مصطلح (التصميم البارمتري) فكرة ربط عملية التصميم بالبارمترات (الوسائط)، وأذكر على سبيل المثال فكرة الوسائط الكيميائية التي تستخدم لتسريع تفاعلات معينة حيث أنها تطابق لحد ما استخدام البارمترات في مثل هذا النوع من أنواع التصميم. ترمز كلمة البارمتري إلى فكرة البيانات التي تؤثر في بلورة التصميم حيث أن أغلب (إن لم يكن جميع) مشاريع البناء تخضع لشروط وظروف وعوامل خارجية. أما إذا حولنا نظرنا إلى العلاقات الرياضية التي يمكن أن توصف البناء كالنسب الذهبية ونظريات المنحنيات المعقدة نجد أن البارمترات أو الوسائط ما زالت تلعب دوراً أساسياً في التصميم. وفي الغالب يكون هذا المصطلح للدلالة على مجموعة من العوامل تسهم بالمجمل في تشكيل المبنى سواء كانت كمية أو رقمية دون إغفال كون ان هذه العوامل جميعها هي عوامل تخضع للقياس وترتبط بمتغيرات معيارية حتى لا يكون التصميم عشوائياً وخارجاً عن نطاق أنظمة العمل المتداولة هندسياً.

فيليب بافيليون

فيليب بافيليون مسقط أرضي وسطح

وإمعاناً في فهم المصطلح وقبل التوغل في سرد أكثر برمجياته ظهوراً، يجب طرح أفكار بسيطة وتبسيطية تعطي القارئ فكرة أكثر شمولاً ودقة عن ماهية التصميم البارمتري لعل ذلك يكون مرجعاً له ولغيره لفهم هذا الموضوع بشكل أدق.

مثال عملي لتصميم منشأة باستخدام التصميم البارمتري:

لنفرض أنه لدينا مشروع مبنى سكني ضمن بيئة مدنية صرفة (Metropolitan Downtown) نريد اقامته بحيث نستبدل بعضاً من المباني التي قد آن ازالتها بحكم انتهاء عمرها الافتراضي اقتضاءً للمخطط العمراني القائم. في سيرورة التصميم لدينا العديد من العوامل التي يجب الانتباه لها مثل الأسواق المجاورة (Existing Plaza) ومسار حافلات النقل (Bus Route) وعدم التعتيم على ابنية الجوار وترك مساحات كافية للتعرض للشمس (Solar Exposure) كما يظهر لدينا في الشكل التالي:

فإذا اعتبرنا أن العوامل التي ذكرناها آنفاً هي عوامل أساسية يجب على التصميم المقترح أن يخضع لها ضمن نسب رقمية معينة (كمثال: لا يجب أن تقل المساحة التي تتعرض للشمس عن 35% من المساحة الكلية للأرض التي سيتم إنشاء العقار عليها) وإذا أمعنا بالنظر لهذا العامل المفروض علينا من البلدية (أمانة العاصمة) نرى أنه يحتاج إلى العديد من الخطوات للتفكير وصحة الحساب اقتضاءً لطرح تصميم يتوافق مع هذه المعايير.

تلك الخطوات بمجموعها يجب أن تتقاطع في تصميم يكون وسطاً بين تلك المعايير كما يجب أن يكون تابعاً لإحساس بالجمال بحيث لا ينبغي للعين أن تنبذه أو للعقل أن يتغافل عنه. ولذلك يجب أولاً تحويل تلك العوامل المطلوبة إلى علاقات رياضية ومن ثم إلى أرقام كما يمكن أن نرى في الشكل التالي:

يوضح لنا هذا الشكل الطريقة التي يمكن فيها ترجمة العوامل التي تسهم في تشكيل التصميم الذي نبغي الوصول إليه من خلال علاقات (إلى هذه اللحظة على الأقل) ومن ثم سيتم ترجمة ذلك إلى احتمالات وتجارب ينوب عنا الحاسب في القيام بها حتى الوصول إلى مجموعة متقاربة من الحلول يمكن المباشرة بالانتقاء منها بدلاً من إضاعة الوقت بالقيام بتلك الرحلة بالطريق المعاكس (أي البدء بالتصميم ومن ثم دراسة مدى توافقه مع معاييرنا ومن ثم إعادة الكرة إلى أن نصل إلى شيء مقنع كما هو الحال في الطريقة التقليدية في التصميم). يوضح لنا الشكل التالي كيف يتم ذلك ضمن احدى برمجيات التصميم البارمتري.

يظهر لنا المربع الأحمر المساحة المطلوبة للمبنى بينما يقوم البرنامج بحساب العوامل المطلوب تحقيقها لتلك المساحة ضمن المساحة المقدمة للعقار (Building Footprint) وبعد الانتهاء من الحساب يقوم بتقديم المقترح المطلوب وذلك فيما يخص المنسوب الأرضي للمبنى. ثم تعاد العملية بشكل تكراري بحيث يتم تكرار مطابقة نفس الشروط بالنسبة للمناسيب الأخرى وصولاً لقمة المبنى ومن ثم يتم طرح مجموعة أخرى من العوامل لاقتراح تحليل وتوزيع المساحات الداخلية لأجزاء المبنى والغرف آخذين بعين الاعتبار المساحات التي لا ينبغي المساس بها مثل مساحات العناصر الإنشائية ومساحات عناصر التخديم (مصاعد وميكانيك وخلافه). يمكن رؤية ذلك كما في يلي:

ومن ثم إذا ما أخذنا إحدى الشقق وأردنا تفحص توزيع الفراغات داخلها نجد ما يلي:

تظهر هنا مباشرة الأسئلة التالية:

  • هل انتهى عهد التصميم الجمالي؟
  • هل هناك أي داع لوجود المهندس؟
  • هل تقبل أن تسكن في منشأة تم تصميمها باستخدام الحاسب؟

تعتبر هذه الأسئلة وخلافها من أسئلة التوجس عند العلم بأن الحاسب هو من قام بطرح أدق تفاصيل المبنى باستخدام مجرد أرقام وعلاقات بين تلك الأرقام من الأسئلة الصحية نظراً أنّا نشأنا في بيئة يعتبر المهندس فيها هو ربّان العمل الهندسي من ابتدائه حتى الختام. أرى هنا أن العمل لم يقم به الحاسب على الإطلاق وإنما هو رديف للمهندس الذي وفّر على نفسه جهداً وأثرى في جودة العمل ما يحمد عقباه من احتساب صحي لا يؤثر في مسار العمل وإنما يجعله على الأقل فريداً ومميزاً على الأكثر.

ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان بعد استشراف هذه المعلومات عن أحدث صيحات التصميم هو أنه ما هي تلك البرمجيات التي تقوم بهذا العمل؟ وهل حققت ذلك الانتشار أم أنها ما زالت في بداياتها وكم يجب على المهندس أن يقبل بما تمليه من حلول إلى ما هنالك من أسئلة أخرى يأتي بها عقل القارئ عسى يقتنع بما استجد به العلم فيدرك ذلك أو يبقى على ما اعتاد عليه.

برمجيات التصميم البارمتري:

إن أغلب البرامج الموجودة والمتداولة في سوق العمل تعتبر برمجيات متخصصة بالتصميم ثلاثي البعد عموماً (مثل AutoCAD وTurboCAD وSketchup وRhinoceros وغيرها كثير) ولا تخضع هذه البرمجيات إلى شروط التصميم البارمتري بشكل مباشر وإنما من خلال إضافات (Add-ons أو Plug-ins) يتم إضافتها لاحقاً إلى تلك البرمجيات لتقوم بفعل ما يطلب منها كما تحدثنا آنفاً. وقد تميز في وقت قريب ملحق Grasshopper والذي تمت إضافته إلى برنامج Rhinoceros ليقوم بتفعيل خواص التصميم البارمتري وقد لاقى نجاحاً جيداً حيث أن العلاقات التي تمت اضافتها تمس صميم العمل التصميمي في أغلب نواحيه (واجهات، مساحات، علاقات رياضية مسبقة البرمجة).

بينما اتجهت بنفس الوقت مجموعة من المبرمجين إلى تطوير منصة مفتوحة المصدر Open Source لإنشاء برنامج خاص يعتبر متوفراً للجميع كنواة أساسية يمكن الإضافة عليها أو تطويرها وهو برنامج أو ملحق Dynamo حيث أنه من حيث التخصص يحتوي على علاقات رياضية تختص بالواجهات والرقعة التصميمية للعناصر الإنشائية ولكنه بنفس الوقت قابل للتطوير بشكل سريع ليتمم العديد من البرمجيات الموجودة والمستخدمة في شركات العمل الهندسي.

قامت شركة Autodesk العملاقة مؤخراً بضم Dynamo إلى جعبة البرمجيات التي تقوم بصناعتها (دون شراءه طبعاً بحكم أنه برنامج غير مملوك أساساً من قبل هيئة معينة وأدرجته ليحل محل برنامج Vasari الموجود مسبقاً ليكون بذلك منطلقاً للتصميم البارمتري في منظومة Autodesk. وبحكم أن Dynamo لم يتم تصميمه أساساً ليكون جزءاً من مجموعة Autodesk فقد قامت الشركة ببناء واجهة خاصة به وجعلته برنامجاً يمكن له أن يحاكي باقي البرمجيات التي تقدمها الشركة من نفس الاختصاص تحت اسم Dynamo Studio حيث يمكن البدء بالتصميم منه أو يمكن نقل جزء من التصميم إليه من غير برمجيات ليقوم بمعالجة الشق المتمثل بوضع البارمترات ومعالجتها ومن ثم إعادتها للبرنامج الذي سيقوم بعرض التصميم وإخراج مخططاته.

ما هي الخطوة التالية؟

بعد أن قمت بتقديم ما تم ذكره من طرح للتصميم البارمتري وبيان مدى أهميته وفعاليته في العمل الهندسي فإني أنصح وبشدة متابعة أخبار تطور هذه البرمجيات والبدء بالتدريب عليها حيث أنها تطرح خدمات تفيد المصمم خصوصاً والمهندس عموماً في توفير الوقت وتوضيح الكثير من العقبات التي من الممكن أن يكون حلها بمتناول اليد ولكنها تحتاج إلى من يرشد ويوضح أين هي وأين تكمن.

No comments:

Post a Comment